نشرت إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله”، تقريرًا سلطت فيه الضوء على الفساد السرطاني المستشري في أميركا اللاتينية والذي لم يعد يحتمل معه صبر المواطنين، مما يدفعهم إلى الخروج في مظاهرات احتجاجية وبصفة دورية أملاً في تغيير القادة وحكوماتهم الفاسدة.
يتكرر المشهد نفسه تقريبًا يوم الجمعة من كل أسبوع في هندوراس الواقعة في أميركا الوسطي، حيث يجوب آلاف المواطنين الغاضبين عبر الشوارع للمطالبة باستقالة الرئيس خوان أورلاندو هيرنانديز.
يريد المتظاهرون في هندوراس أن يلقى رئيسهم المصير نفسه الذي واجهه نظيره في جواتيمالا، الدولة المجاورة؛ ففي الـ3 من سبتمبر الجاري، وفي أعقاب تحقيقات أجرتها “اللجنة الدولية لمناهضة الإفلات من العقاب” في جواتيمالا المعروفة اختصارًا بـ”سي آي سي آي جي”، أجبر الرئيس أوتو بيريز مولينا على التنحي من منصبه على خلفية تهم تتعلق بالفساد.
اختبار الديمقراطية
المظاهرات الحاشدة في جواتيمالا وهندوراس ومسيرات الاحتجاجات المعارضة في فنزويلا، وإضرابات المدرسين في المكسيك وانتفاضات المزارعين في كولومبيا والطلاب المصابين بخيبة أمل في تشيلي وحالة السخط المتنامية ضد رئيسة البرازيل ديلما روسيف تعكس الرغبة الجامحة لدى سكان أميركا اللاتينية في الإطاحة بحكوماتهم الفاسدة.
هل تقوض الجريمة والفساد الديمقراطيات الناشئة في أميركا اللاتينية؟
هذا ما يتخوف منه سفير جواتيمالا لدى الأمم المتحدة جوليو ليجوريا كارباليدو، والذي عبر عنه في مقالة افتتاحية نشرتها مؤخرًا صحيفة “إلبايس” الإسبانية بقوله: “الفساد ما هو إلا عبوة ناسفة تهدد بتدمير الدول في أميركا اللاتينية من الداخل.. لقد حول الفساد والرشوة الدول الواقعة في تلك القارة إلى كائنات مريضة عاجزة عن الاضطلاع بمسؤولياتها الأساسية تجاه مواطنيها”.
وتؤكد الإحصاءات تلك المشكلة؛ فخلال الفترة بين العام 1990 و2015، ثبتت إدانة خمسة عشر من القادة في ست دول بأميركا الوسطى في تهم فساد، ومع ذلك، لم يُسجن من هؤلاء سوى أربعة رؤساء سابقين فقط: رفائيل أنجيل كالديرون ( 1990-2004) وميجيل أنجل رودريجيز ( 1998-2002) من كوستاريكا وأرنولدو أليمان ( 2000-2002) من نيكاراجوا وألفونسو بورتيللو ( 1997-2002) من جواتيمالا.
في غضون ذلك، لا يزال الرئيس السلفادوري السابق فرانسيسكو فلوريس ( 1999-2004) يتم احتجازه قيد الإقامة الجبرية.
من جهتها، قالت سابين كورتينباتش من “المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق” المعروف اختصارًا بـ”جي آي جي إيه” والذي يتخذ من هامبورج مقرًّا له: “في أميركا اللاتينية، يسجل عدد المواطنين الذين يقولون: “لم نعد نحتمل مسايرة هذا الوضع بعد” تناميًا مضطردًا.
ومع ذلك، رأت كورتينباتش أنّ الاحتجاجات الحاشدة ضد الفساد ليست ضمانًا على أن أي شيء سيتغير على أرض الواقع.
مدعون عموميون أقوياء
واستطردت كورتينباتش في حديثها بالإشارة إلى أن استقالة رئيس جواتيمالا السابق أوتو بيريز مولينا جاءت فقط بفضل التحقيقات النزيهة التي أجرتها معه “اللجنة الدولية لمناهضة الإفلات من العقاب” والتي دعمها وأيدها كبار المدعين العموميين في البلاد، مضيفةً: “لا أرى نفس الرغبة في هندوراس”.
ولفت راجي ثومبسون، الخبير في الشؤون الأميركية اللاتينية في منظمة “ستراتفور” الأميركية البحثية التي تتخذ من تكساس مقرًا لها، إلى أن مكافحة الفساد لها صلة وثيقة بالخبرات التي تتمتع بها السلطة القضائية، وعلى نحو أكبر من الحركات الاحتجاجية.
وتابع: “الاحتجاجات المناهضة للفساد في هندوراس لا تشكل أية تهديدات للحكومة؛ نظرًا لأنه لا يوجد تحقيقات قضائية فُتحت مع الرئيس”.
ولعل هذا هو ما دفع المواطنين إلى الخروج بالآلاف إلى شوارع هندوراس في مسيرات حاشدة ضد الرئيس هيرنانديز، الذي وعلى الرغم من أنه قد أقر فعليًا بتحويل أموال بصورة غير شرعية من برامج اجتماعية محلية واستخدامها في تمويل حملته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2013، لا توجد هناك تهم قد نُسبت بعد إليه بسوء استغلال المال العام.
ولهذا السبب، تتزايد الدعوات في هندوراس، جنبا إلى جنب مع المكسيك، للمطالبة بإنشاء لجان تحقيق مستقلة ضد الإفلات من العقاب، على غرار مثيلتها في جواتيمالا.
وبدون مساعدة قانونية خارجية، تبوء التحقيقات في جرائم الفساد الكبرى التي تُفتح مع المسؤولين بالفشل، كما تكون حياة المحققين المحليين عرضة للخطر في أغلب الأحيان.
وزير الخارجية المكسيكي السابق جورج كاستانيدا طالب في السابق في مقالة له بصحيفة “إلبايس” الولايات المتحدة الأميركية بتبديل سياساتها لمكافحة المخدرات بمبادرات لمكافحة الفساد.
وكتب كاستانيدا في مقالته: “إذا ما أرادت واشنطن أن تقدم الدعم المالي لتأسيس لجنة لمكافحة الإفلات من العقاب في المستقبل، ستحقق بذلك تقدما حقيقيا في المنطقة.”
وبدورها، تطالب كورتينباتش سابين القادة السياسيين في أميركا الوسطى بالالتزام بتعهداتهم، قائلة إن “كل الأشخاص الذين يريدون تغيير شيء يرحلون،” في إشارة منها إلى تنامي عدد الشباب المهاجرين من بلدان أمثال جواتيمالا والسلفادور.
وتابعت: “طالما لم تقر النخب والصفوة بأنه ما من سبيل لعمل النظام على المدى البعيد، فإن شيئا لن يتغير”.