“أوعوا تفكروا اننا هنسيب تارنا حتى بعد اللي قبضنا عليهم”.. تلك هي إحدى العبارات التي صدرت عن عبدالفتاح السيسي ضمن تصريحات عديدة أدلى بها أثناء تشييع ضحايا حادث الكنيسة البطرسية.
وتعتبر ثقافة الثأر التي تحدث بها السيسي جزءًا أصيلاً في ثقافة الشعب المصري وشعوب أخرى عديدة وهو المفهوم الذي يلجأ إليه من لا يملك أدوات أو وسائل تعيد إليه حقه.
فما الفارق بين ثقافة الفرد المواطن والمسئول وهل ورد هذا الفارق على تفكير السيسي قبل أن ينطق بكلمة الثأر؟ وما هي خطورة أن يكرس صاحب أعلى منصب إداري بالسلطة التنفيذية لفكرة الثأر؟
أين ثقافة رجل الدولة؟!
يقول بهاء الدين عطا الله (ناشط سياسي وكاتب صحفي) الفكرة الأساسية هي أن السيسي يسعى دائمًا لإقناع الشعب أنه قريب منهم، وأن ثقافته هي ثقافتهم وأنه يفكر بطريقة مماثلة، إلا أنه خلال هذه المحاولات يرتكب العديد من الأخطاء التي توقعه في إحراج مستمر؛ فالثأر موجود في ثقافة المصريين لكن المتحدث هو رئيس الدولة، ومن المفترض أن يدفع في اتجاه المحاكمة القانونية، خاصة أنه أعلن عن منفذ العملية وعن القبض على عدد من المشتبه بهم، والمفترض به كرجل دولة أن يؤكد على أن العدالة ستأخذ مجراها وسيتم توقيع أقسى العقوبات على الجناة في حال إثبات تورطهم.
ويستطرد: الانفعال غير المحسوب في التصريحات هو شيء مقدر في حال صدورها عن أشخاص عاديين، أما المسئولون الرسميون فمن الطبيعي أن يكون لديهم القدرة على التحكم في انفعالاتهم خاصة وأنهم يعلمون بمدى المسئولية التي تقع على عاتقهم.
ثقافة الغابة
وقد صرح بعض الخبراء لموقع “رصد” بأن الحديث عن الثأر في خطاب السيي يعكس قدرًا غير قليل من رغبة السيسي في تحريض مناصريه ضد معارضيه السياسيين ويقدم لهم المبرر الذي قد يحول الدولة إلى غابة، يقول د. سعد الغانم (مراقب دولي بالأمم المتحدة)، بعض المراقبين يتعاملون مع تصريحان السيسي على أنها ضرب من السذاجة أو عدم الوعي، إلا أنني أرى،حسب الغانم، أن السيسي يتعمد تمرير رسائل معينة إلى مناصريه لإطلاق يد العنف بالمجتمع وهي حالة لطالما استفاد منها السيسي ونظامه، وقد ظهر ذلك من قبل في أحد تصريحات السيسي بعد أعمال عنف وقعت بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013م، عنما صرح بأنه لا يستطيع أن يمنع أصحاب الحق من أخذ حقوقهم بأيديهم، وهو أخطر ما يمكن أن يتفوه به رئيس جمهورية في العالم حسب ما يرى الغانم.
عنجهية لا تليق بالمنصب
من جانبه قال الدكتور عزت علي رمضان (أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات)، إن مثل هذه التصريحات تعكس عنجهية كثيرًا ما يسعي السيسي أن يرتدي ثيابها، معتقدًا أن هذا يقدمه لشعبه وللعالم على أنه المنقذ أو بلغة شعبية (الفتوة) الذي سيأخذ بالثأر لأصحابه
ويؤكد أن هذه الطريقة في تناول المسائل الحساسة لم تعد تنطلي على أحد بدليل أن العديد من تصريحات السيسي صارت مجالاً للتندر والسخرية.
وعطفًا على الرأي ذاته يرى خبراء أن ورود لفظة الثأر في خطاب الرئيس يكرس لقانون الغاب مثلما أطلق النظام أنصاره ضد الإسلاميين من قبل في الشارع بالضرب والسحل الذي طال حتى النساء والأطفال تحت حجة الغضب، مستشهدين في ذلك بتصرفات عنيفة صدرت حتى عن شخصيات عامة وفنانين في إشارة لتصرف الفنان طارق النهري الذي اعتدى بالسلاح على بعض المعارضين للجيش إبان فض اعتصامي رابعة والنهضة.
ويبدو أنه مع تكرار التصريحات المبطنة للرئيس حول قبول عنف المواطن (صاحب الحق) سيظل السؤال مطروحًا: هل يتفهم السيسي حساسية منصبه وأهميته؟ وهل يعي خطورة ما يقول على المستوى المجتمعي؟ وإن كانت الإجابة نعم فلماذا يدفع في هذا الاتجاه؟ وإن كانت لا فما هو حجم المصيبة التي تنتظر المصريين؟!